تحقيق / د.هند بدارى
حتى التبرعات والأعمال الخيرية لم تسلم من تأثير تداعيات الأحداث السياسية بعد ثورة 30 يونيومن مظاهرات واعتصامات وماصاحبها من شائعات عن انتماء جمعيات لتيار أو فصيل سياسي .. فتعالت شكاوى بعض المؤسسات الخيرية من تراجع التبرعات و الأنشطة التطوعية فى وقت تحتاج فيه الى توسيع نطاق خدماتها ، ومن هنا أثيرت التساؤلات عن أوجه انفاق التبرعات ،وطرق ترشيد نفقات الاعلانات وتوجيهها الى المحتاجين ومدى امكانية استبدالها بحملات ترويجية أقل تكلفة ؟.
العودة إلي أعلي
تراجع حجم التبرعات

سعاد يوسف رئيس احدى الجمعيات الخيرية للأيتام ووكيل نقابة الاجتماعيين، قالت لموقع أخبار مصر إن الأجواء السياسية المضطربة أثرت سلبا على حجم التبرعات وعدد المتطوعين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد وتراجع مكاسب معظم رجال الاعمال وانصراف كثير من الشباب الى الاعتصامات والندوات وبالتالى تقلص حجم النشاط التطوعي للجمعيات.
وأشارت سعاد يوسف الى ان الاعلانات الدعائية مكلفة جدا خاصة اذا كانت حملات كبرى بالملايين مؤكدة أنها تفضل توفيرها لشراء احتياجات الفقراء وتجهيزاليتيمات مشيرة الى أنه يمكن الاستعاضة عنها بالندوات والبوسترات والاتصالات الشخصية، وان كان تأثيرها أقل لأن أغلب الشعب يحب الاعلان الذى بجذبه ويثير مشاعره أكثر من أى وسيلة اخرى .
وأكدت وكيل النقابة انه من الضرورى التعاون مع وزارة الشئون الاجتماعية فى متابعة أوجه انفاق التبرعات النقدية والعينية بصورة دورية ، والأهم التواصل مع المحتاجين معنويا بالوقت والجهد والمساعدات والمشاركة المعنوية خاصة بالنسبة للمرضى و الايتام و المسنين وذوى الاحتياجات الخاصة .
ولفتت الي وسائل أحدث وأوفر لتلقي التبرعات في "موسم الصدقات" مثل شهر رمضان ،فبدلًا من ارسال مندوبين للمنزل أو فتح حسابات في البنوك يمكن الاعتماد علي طرق الدفع الالكتروني عبرالموبايل والانترنت .
ودعت سعاد يوسف أهل الخير الى توزيع قيمة التبرعات بين الجمعيات الخيرية ومرضى السرطان والكبد والقلب والروماتويد وبناء مستشفيات جديدة، و كفالة الأيتام، وتوزيع ملابس العيد على الفقراء الى جانب التبرع للمشروعات القومية مثل صندوق دعم مصر وبناء مصرالجديدة وابنى بلدك بنفسك وغيرها من شعارات تروجها الآن مبادرات رسمية وأهلية وشعبية عبر جروبات "الفيسبوك " .
العودة إلي أعلي
شائعات بلا مستندات

ولم تقتصر أسباب تراجع التبرعات على الظروف الاقتصادية بل إن هناك شائعات امتدت الى نشاط بعض الجمعيات الخيرية، مثل رسالة ، ودار الأورمان ، وبنك الطعام، تدعى ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين.. فعلى سبيل المثال تداولت مواقع الكترونية بياناً لأحد الأحزاب يزعم أن "رسالة" ثكنةعسكرية للإخوان وتمول اعتصاماتهم إلا أن مروة عبدالمقصود المتحدثة الاعلامية للجمعية ،نفت ذلك في تصريحات صحفية ، قائلة إن الجمعية تمارس عملها على مدار 13 سنة دون أي نشاط سياسي أو حزبي أو تعاون مع جماعة الإخوان أو غيرها،مشيرة الى اتساع نشاطها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولو كانت تنتمي للإخوان لما ترك لها النظام السابق كل هذه الحرية في العمل وافتتاح نحو 50مقرا وبناء ثقة مع المواطنين.
وأوضحت المتحدثة الاعلامية للجمعية أن السبب في تلك الشائعات ربما يرجع لوجود متطوعين بالجمعية لهم انتماء سياسي، ويذهبون إلى اعتصام أنصار الرئيس المعزول في رابعة العدوية، مرتدين "تيشيرت"مطبوعا عليه شعار الجمعية، ولذا تم التنبيه على كل المتطوعين والموظفين بعدم ارتداء "تيشيرتات" الجمعية أثناء مشاركتهم في أي فعاليات سياسية مؤكدة أنه لن يمحو الشائعات إلا زيارة الجمعية والتأكد الشخصي المباشر من نُبل موقفها .
ونبهت الى أن انتشار مثل هذه الشائعات يؤدي إلى انهيار مؤسسة خدمية يحتاجها الفقراء لافتة الى أن أنشطة التطوع تأثرت بالأحداث السياسية التي يشهدها رمضان هذا العام لأن هناك متطوعين ينتمون إلى أحزاب وتيارات سياسية يشاركون في التظاهرات، بالإضافة إلى خوف المتطوعات من السفر في قوافل خير خارج القاهرة بسبب أحداث العنف .
واكدت "رسالة" أن "ايرادات الجمعية من تبرعات عامة الشعب المصري ومصروفات الجمعية تغطي أنشطة رسالة الثمانية والعشرين ،وأن ميزانيات الجمعية مُعلنة لكل ذي شأن وتخضع لرقابة وتفتيش وزارة الشئون الاجتماعبة بالادارة المركزية بشكل مباشر ورقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الادارية والاموال العامة ولديها تقارير دورية بعد كل تفتيش تفيد بأن نتيجة التفتيش على أعمال الجمعية مُرضية".ونوهت عن أن جمعية "رسالة" تأسست عام 1999 كأسرة طلابية في كلية هندسة بجامعة القاهرة وانتشر مجهود الشباب لتقديم المساعدات وجمع التبرعات لتتحول الى جمعية خيرية في 29 مايو 2000.
وبالمثل أصدرت جمعية الأورمان بيانا أكدت فيه إنها منظمة أهلية مصرية غير حكومية، وأنها تنموية غير هادفة للربح،مشددة على أن جميع أنشطتها لخدمة كل فئات المجتمع المصري المحتاجة في سائر محافظات الجمهورية دون أي تمييز ديني أو سياسي، وذلك بشكل مؤسسي.
وأعلن نيازى سلام مؤسس بنك الطعام أن المؤسسة التى يديرها بعيدة كل البعد عن الانتماءات الحزبية والسياسية، قائلا إن هناك من يريدون تشويه صورتنا ويدّعون أننا مؤسسة تنتمى للإخوان ومنظمات أمريكية وهو كلام عار عن الصحة.
العودة إلي أعلي
الاعلانات الخيرية .. غير مكلفة

وفيما يتعلق بتوفير نفقات الحملات الاعلانية ، قال هشام عبد السلام المسئول الاعلامى لمستشفى سرطان الأطفال "57357 " ومدير قسم الجرافيك لموقع أخبار مصر إن اعتقاد الناس بأن اعلانات الخير تتكلف الملايين ليس صحيحاً لأن المستشفى بها قسم "ميديا متكامل " ، و هناك فريق يتولى تصميم وتنفيذ واخراج "اسكريبت الاعلان " دون الاستعانة بوكالة اعلانات ويتم تسليم الفيديو جاهزا للوسيلة الاعلامية مع مراعاة جوانب مهنية وانسانية مثل نقل الواقع و جذب المتبرع دون خدش مشاعر أو انتهاك ادمية المريض .
واكد هشام عبد السلام أن الطفل الذى يظهر فى الاعلان لايتم الضغط عليه بالمال أو العلاج، وانما يكون عادة من أطفال القرى والمراكز الذين انعم الله عليهم بالشفاء ويبادر بطلب التصوير لمساعدة غيره ،فضلاعن تولى الرعاة تحمل تكاليف المساحة الاعلانية التى تكون مخقضة انطلاقا من المسئولية الاجتماعية للوسيلة بل هناك مشاهير يتطوعون بالاعلان عن خدمات المستشفى بينما تتحمل الادارة التكلفة فقط .
وأوضح هشام عبد السلام أن عائدات هذه الدعاية لاتحقق طموحات المستشفى ولاتغطى كل احتياجات المرضى لأن نفقات المريض الواحد تتجاوز نصف مليون جنيه فى السنة ،فهناك أدوية باهظة الثمن وأطباء متفرغين وممرضات متمرسات وخبراء أجانب من كل التخصصات ومشروع الصيدلة الإكلينيكية لتحضير الدواء الذي يتطلب دقة عالية جدّا على يد أطباء صيادلة باستخدام تقنيات حديثة من خلال معامل تتوفّر لديها أجهزة قادرة على ضبط الجرعات وحفظها في مخازن خاصّة للأدوية، علاوة على اسطول خدمة احتماعية للتعامل النفسى مع المرضى وذويهم ومدرسة داخلية وغيرها.
وأضاف المسئول الاعلامى للمستشفى أن هناك توسعات جارية لأنه ليس من المنطقى ادخال مرضى اضافيين على حساب حالات مزمنة، فهناك 185 سريرا لأطفال يتناولون عددا من جرعات سرطانات المخ ..فكيف نضيف مريضا جديدا ونطرد اخر أو نهمله ؟ .. مشيرا الى ادخال 60 سريرا بوحدة طنطا حيث يفتتح فرع جديد يحتاج تجهيزات ضخمة وكوادر مؤهلة .. منوها أن الفرصة متاحة لمن يرغب فى كفالة سرير أو تأسيس وحدة أجهزة تحمل اسمه وتكون صدقة جارية له .
ولفت الى أن الحملات الدعائية وحدها لاتكفى لأن الزيارات الميدانية تلعب دورا مؤثرا فى اقناع الميسورين ،عندما يشاهدون خطورة الحالات ويلمسون جدية الرعاية المقدمة وارتفاع مستوى الخدمة والأهم أن هذه المساعدات يجب أن تتواصل طوال العام لأنها ساهمت فى ارتفاع نسب الشفاء ورفعت العبء عن مستشفيات الحكومة حيث بدأت فكرة المستشفى عندما توفّي 13 طفلًا من أصل 15 في يوم واحد بمعهد الأورام نتيجة عجز الإمكانيات وضعف المناعة .
وأشارالمسئول الإعلامى لمستشفى سرطان الأطفال 57357 الى أن حملة "بيت بدون سرطان" بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى تهدف لتوعية كل الأمهات حتى تحمى عائلتها من المرض باتباع الطرق الغذائية السليمة وتجنب العادات الخاطئة فى إعداد الطعام من خلال كتيب الارشادات.
العودة إلي أعلي
الحملات الرمضانية ..استثمارات روحانية

ورغم الانتقادات الموجهة للحملات الخيرية الضخمة ، يؤيد د.محمد معوض أستاذ الاعلام وعميد المعهد العالى للاعلام وعلوم الاتصال باحدى الاكاديميات حملات وسائل الاعلام لاستثمار ماراثون الروحانيات فى هذه الايام المفترجة قبيل العيد فى توجيه أموال الزكاة والتبرعات الى المحتاجين والمرضى وتنفيذ المشروعات القومية مستنكراً الانسياق وراء الشائعات وملاحقة متطوعى الخير لأن هناك مؤسسات بالدولة مسئولة عن الرقابة عليهم.
وأكد د.معوض أن الاعلان التلفزيونى مهم جدا لأن الهدف منه تكرار وتكثيف الرسالة الاعلانية المناسبة لكل فئات الجماهير خلال فترات ذروة المشاهدة وفى أجواء مهيأة لاستمالة المتبرعين خلال شهر رمضان الكريم والعيد لافتا الى ان توفير قيمة الاعلان لن يعوض تأثيره الجماهيرى فكريا وسلوكيا خاصة اذاكان هادفا ويتضمن مزيجا من الدعاية والتوعية المؤثرة .
ولايرى أستاذ الاعلام غباراً على استخدام الأطفال فى الاعلانات الخيرية طالما فى حدود اللياقة وبناءً على رغبتهم لنقل معاناتهم على الواقع واقناع المشاهد بالاساليب المنطقية والعاطفية بالتوازى مع مختلف وسائل الاعلان الاخرى سواء المباشرة أو الالكترونية لمخاطبة كل الفئات من مختلف المستويات .
واستدرك د.معوض موضحا انه فى وقت الشائعات يتراجع دور الاعلان وتزداد أهمية الزيارات الواقعية ولكن من المهم مواجهة الدعاية المضادة بحملات توعية تقدم المعلومات السليمة بشفافية لدحض الاكاذيب مؤكداً أن الخير لوجه الله ولا يصح تصنيفه ولايهم موجه لمن مادام خيراً .