قلت ـ منذ ما يقرب من شهرين للتلفزيون المصري ــ بأن السلفية المصرية، هي أكبر قوة اجتماعية منظمة في مصر، ولا ينبغي استفزازها، وإنما استثمار خبراتها الكبيرة في العمل الخيري وفي النضال الاجتماعي.
...في الثلاثين عاما الماضية، استعاض السلفيون التهميش الرسمي والقمع الأمني لهم ، بالتوجه نحو المجتمع وتضميد جراحه اليومية، وتركوا السياسة تحت وطأة الأحذية الميري الخشنة.. وبالتزامن مع ذلك وثقت ما تسمى بـ"القوى المدنية" بالنظام الذي قربهم إليه بالمنح السياسية "الأحزاب" وبالمكافآت المالية "وزارة الثقافة" فتركوا المجتمع ويمموا وجوههم شطر البيت الرئاسي مرددين آيات التزلف له ولزوجته وأبنائه وحاشيته.. فخسروا "المجتمع" من جهة وتكلسوا عند عتبات "كي جي ون" سياسة ولم يتعلموا إلا التزلف للباب العالي من جهة أخرى.
بعد قيام الثورة لم تجد القوى المدنية أية قاعدة اجتماعية صلبة أو عشر صلبة، يعتمدون عليها حال جرت انتخابات بعيدا عن الغش والتزوير.. فيما افتقدوا إلى الخبرات السياسية التي تمكنهم من إعادة تأهيل أدواتهم في اتجاه منافسة القوى السلفية على الولاء الاجتماعي، حيث تحولوا إلى قوى عاجزة و"كسيحة" وسط قوى أخرى نشطة اكتسبت المصداقية الاجتماعية عبر تراكم خبرات إنسانية اعتمدت على "التراحم" وليس "العزلة" والاستعلاء أو تبلد المشاعر إزاء المجتمع، .. والصفات الأخيرة اجتمعت كلها في التكوين النفسي للنخبة العلمانية في مصر.
لا شك أن صدمة ما بعد الثورة.. أحالت القوى المدنية في مصر، إلى "قوى عدوانية" تعيد انتاج مشاعر عجزها وتقزمها في صورة مواقف تتسم بالكراهية إزاء الجميع، سيما تلك القوى التي ترى أنها خذلتها، رغم أنها لم تكن يوما ما على أجندتها اليومية وهي ترفل في نعيم مبارك (أحزاب وصحف وفضائيات ونجومية وما شابه)..
ولعل ذلك ما يفسر عدوانية هذا التيار إزاء المجتمع بعد استفتاء 19 مارس.. وعدوانيته إزاء الجيش بعد أن رفض الأخير النزول عند مؤامرات النخبة العلمانية المطالبة للقوات المسلحة الاستيلاء على السلطة خوفا من الإسلاميين.. فضلا عن عدوانيته ووحشيته في التعاطي مع المنافس الإسلامي الذي بات مرشحا لحصد أوراق اللعبة السياسية في المستقبل القريب.
ربما يكون السلفيون قد خسروا "السياسة" خلال الثلاثين عاما الماضية، ولكنهم كسبوا "المجتمع".. والأخير يظل هو المكسب الأكبر، فالسياسة يمكن تعويضها بالتدريب والمران والمشاركة والمحاولة والخطأ.. وهي في مجملها طرق التعلم الطبيعية والمتعارف عليها تربويا، وتثمر بالتراكم انتاج رجال دولة حقيقيين.. يكتسبون شرعيتهم من "الشعبية العفوية" وليس من "الإكراه الأمني" للدولة.
العلمانيون خسروا كل الأوراق المؤهلة للتفوق السياسي.. لأنهم لم يشتغلوا سياسة أصلا، إلا في مدرسة مبارك او بالأحرى الخدمة تحت أحذية أجهزته الأمنية التي اغدقت عليهم بالكثير.. ولم يحترموا المجتمع .. ففقدوا احترامه لهم.. ولم يعد أمامهم إلا التآمر على الجميع عملا بسنة "لا فيها لاخفيها".
01-08-2011 م
almesryoonmahmod@gmail.com نقلا عن : محمود سلطان - موقع المسلم